أخبار وتقارير

أسباب طرد العمالة اليمنية من السعودية

يمنات – الديار

دخلت الأزمة اليمنية السعودية بسبب قضية ترحيل المغتربين منعطفاً خطيراً خارج مسار البروتوكول الدبلوماسي والعلاقات السياسية بين البلدين عبر القنوات الرسمية في قيادة وحكومة الدولتين.

بدخول القوة الاجتماعية على الخط الملتهب من خلال تحول ملف القضية الى الطرف الشعبي الفاعل غير الرسمي واضطلاع أبناء الشعب اليمني تلقائيا بمهام المسئولية الوطنية التي تخلت الدولة عن التعامل معها طبقاً لمقتضيات الواجب المناط بها في هذا الشأن.

وبعد قرابة شهر من التطورات غير المعلنة رسمياً على المشهد السياسي والاجتماعي السعودي اليمني المحتقن عسكرياً على الحدود بين رجال القبائل اليمنية وقوات جيش المملكة والمتأزم سياسياً في إعلام البلدين الجارين وانعكاسات الأزمة المتداعية للتصعيد المنذر بالانفجار داخل النسيج الاجتماعي في اليمن والسعودية المنقسم الى جبهتين في كل بلد حول الأحداث الجارية وما تلعبه المؤثرات الخارجية من فرز مذهبي وإيديولوجي يجعل في كل بلد تيارين متشابهين يؤيد ويعارض الفعل وردود الأفعال هنا وهناك بعيداً عن حسابات الولاء لموطن الانتماء وتجاوباً مع مقتضيات مصالح فئوية يحكمها ويتحكم على أبعاد تاريخية قديمة وأجنده مستقبلية قادمة تتداعى في افق المنطقة حسب ملامح الخريطة الجديدة للشرق الاوسط على ضوء متغيرات الثورة التي حركت الرمال تحت عروش حكام دول الجزيرة العربية .. الشرق  الفارسي والروسي والغرب الأمريكي والأوربي بالسلاح المشتعل وسط بحيرات البترول.

 

عزل الحقيقة خلف الجدار العازل:

بوادر الأزمة بدأت باستفزازات الجنود السعوديين على الحدود والشروع المفاجئ في بناء الجدار العازل والتوغل داخل الأراضي اليمنية في المحافظات الشرقية مأرب وحضرموت والجوف وحضرموت واستحداث مواقع جديدة في جبل "فذة" بمديرية منبه التابعة لمحافظة صعدة من قبل قوات وآليات سعودية خلافاً لما نصت عليه اتفاقية ترسيم الحدود المحددة لمناطق الرعي  وعلامات الحدود .. بالتزامن مع ارتفاع وتيرة القنص السعودي بالرصاص للمتسللين اليمنيين لأراضي المملكة عبر الشريط الحدودي الشمالي في حجة والساحلي في الحديدة وسقوط عشرات القتلى والجرحى في الأشهر الأخيرة مع ازدياد استهداف المواطنين اليمنيين المتواجدين على الأراضي السعودية بالاعتقال والانتهاك التعسفي الذي وصل حد تكدس جثث الضحايا من الجنسية اليمنية في ثلاجات المستشفيات السعودية ورفض تسليمهم لأهاليهم،  عوضاً عن ارتفاع منسوب الضغوطات السياسية القادمة من الرياض على نظام صنعاء لفرض هيمنة المملكة على القرار اليمني واستغلال الظروف الراهنة في البلاد للحصول على المزيد من التنازلات اليمنية على شتى الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية واستخدام ملفات الإرهاب والجنوب وصعدة لانتزاع الارتهان اليمني المطلوب مقابل الحصول على مساعدات السعودية إسعافية لترقيع الانهيار الاقتصادي المحتمل في اليمن.

 

التسلل من الابواب

قبلها كانت المملكة الشقيقة قد دأبت لإحكام قبضتها على مفاصل الشأن اليمني بالمبادرة الخليجية الالتفافية على ثورة التغيير الشبابية وحرف مسارها بما يخدم التوجهات السعودية بتعاون أمريكي ودعم لوجستي من شركاء المصالح الاستراتيجية في بلادنا إقليمياً ودولياً.. الأمر الذي دفع الى اختلالات كبيرة وتشظي متصاعد غير محمود العواقب.. تجسد مؤخراً في القرار السعودي الكارثة بطرد وترحيل مئات الآلاف من المغتربين والمقيمين اليمنيين في السعودية العاملين هناك منذ سنوات طويلة بطريقة شرعية حسب الإجراءات المعمول بها في قانون العمل المطبق على جميع الجنسيات الوافدة للعمل في مملكة آل سعود.. وفي الوقت الذي كان فيه اليمنيون ينتظرون الحصول على امتيازات الوعود بتقديم التسهيلات والاستثناء لهم بحكم العلاقات الوطيدة والنوعية والمتميزة بين البلدين الشقيقين حسب ما يعلن في وسائل الإعلام وعلى لسان السياسيين ومسئولي الدولتين لكن تعقيدات الموقف القائم على الأرض وغياب الشفافية عن الأحداث الجارية ساعدت في تأجيج القضية نتيجة عدم التدخل المبكر لحسمها في البداية والحيلولة دون تضخمها بالصورة التي أصبحت عليها حالياً .. حيث ادى ترحيل عشرات الآلاف من اليمنيين ها الأسبوع الى احتشاد شعبي داخل المجتمع اليمني وظهور موجة تدعوا الى المواجهة الجماهيرية بالسلاح إن أقتضى الأمر لاستخدامه للدفاع عن السيادة الوطنية وحماية الحدود اليمنية من الأطماع السعودية والثأر لكرامة الإنسان اليمني الذي يتعرض لصنوف القهر والإهانة والامتهان على أيدي قوات الأمن السعودية في مختلف مناطق المملكة .. كحصيلة أولية لغياب دور الحكومة اليمنية وتواطؤها مع الهجمة السعودية ضد المغتربين اليمنيين الشرعيين.. في ظل تضارب التفسيرات بين أقطاب وأطراف الصراع السياسي اليمني بمحيط تبادل الاتهامات التي لا تخلو من تحريض كل طرف على الطرف الآخر بأسلوب الوشاية وتوظيف الحدث بقوالب تصب في اتجاهات بعيدة كل البعث عن المصلحة العليا للوطن والشعب .. إذ تتوزع وتتمحور الأحاديث الكيدية حول العمالة لإيران والتبعية للسعودية وفرز المعلب الى حوثية شيعية وسلفية وهابية بشكل يساهم في تمييع القضية وضياع خيوط اللعبة بين نرجسيات واحقاد المتصارعين بما يسمح للطرف المقابل من تمرير مخططاتها بانسيابية متناهية.

 

إخفاء الآثار بإثارة الغبار

بيد أن الحقيقة الغائبة وسط ركام الأزمة المتداعية والأسباب الدقيقة المخفية خلف الغبار المتطاير من عواصف الصحراء الترابية التي تحجب الرؤية عن العيون .. تظل هي الحلقة المفقودة في قضية إجلاء المغتربين اليمنيين عن اراضي المملكة .. لكن حرص "الديار" على كشف جوانب من الغموض والوصول الى الأسرار المدفونة دفع الصحيفة للبحث والتحري وتقصي المعلومات سعياً إلى معرفة السبب بقراءة التفاصيل من الزوايا المجهولة والتنقيب في أماكن غير مألوفة تجعلنا نقف على الحقائق كما هي وليس كما يراد تزييفها ورسمها بأشكال مغايرة .

 

الإصلاح أمام طواحين الرياح

لو ربطنا محاولات إلصاق التهمة بالحوثي فيما يتعرض له المغتربين اليمنيين وربط إعلام التيار المخاصم للحوثيين ما يحصل بالخوف السعودي من التمرد الشيعي ومخططات أتباع المذهب الزيدي لإقلاق الأمن ونشر الفوضى في السعودية .. فإننا سنجد العكس هو الصحيح تماماً .. لأن المحسوبين على التيار الحوثي بين الحوثيين لا يشكلون رقماً كبيراً بين الأغلبية المحسوبة على أنصار الإصلاح والمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين والمذهب السني .. بمعنى أن المملكة تقوم بترحيل الحوثيين خوفاً من ثوار الإخوان الإصلاحيين وليس من مقاتلي الحوثين الذين خاضوا معركة عسكرية قبل ثلاثة أعوام ضد الجيش السعودي انتهت بالصلح والتسوية .. كما أن محاولة نسب التحشيد القبلي على الحدود للحوثي لا يحتاج الى فبركة ذلك أن الحوثي لا ينكر وموقفه واضح في هذا الجانب من قبل الأزمة الحالية .. فيما التغرير على الداخل واستدعاء الكراهية داخل المجتمع على الطائفة الزيدية بإظهارها كسبب لطرد السعودية ألاف اليمنيين من غير الزيود .. محاولة غبية لن تؤدي الى نتيجة بقدر ما تساعد على تفكيك الصف الداخلي وإضعاف جبهة التصدي .. لولا أن قيادة حزب الإصلاح وقيادات إخوان اليمن يفهمون جيداً أنهم المستهدفون من أصدقائهم السعوديون لما كانوا قد اعلنوا في بيان باسمهم شديد الاستنكار والشجب إعلامياً ورسمياً باعتبارهم شركاء فاعلين في السلطة وقادرون على التدخل القوى وتذبذبهم تجاه المشكلة بحرف الأنظار عن القضية الرئيسية الى اتجاه آخر في نفس الاتجاه الذي تعتمد عليه السعودية للتغطية على إخلاء أراضيها من تواجد العمالة اليمنية وتعمد الى شغل الرأي العام بقضية الجدار العازل والتوغل داخل الحدود التي لا يستبعد أن تكون مدروسة بهدف إيجاد غطاء ينشغل به الناس عن الهدف الأساس .

 

الحيلة في اتخاذ القرار واختيار الوسيلة

لقد تغيرت قواعد اللعبة .. ومعها تغير الموقف والموقع لجماعة الإخوان المسلمين بعدما أصبحوا قوة فاعلة على خارطة العالم السياسية ..إخوان مصر يتقاربون مع إيران ويتبادل الرئيسان أحمدي نجاد ومرسي الزيارات المستفزة طبعاً للأمريكان والخليجيين .. إخوان اليمن المتحالفين تاريخياً مع الأسرة السعودية الحاكمة والسلفية الوهابية منذ زمن بعيد يعودون تدريجياً الى أحضان مصر التي تتعقد علاقاتها مع السعودية ودول الخليج يومياً من سيء الى اسوأ .. حلفاء المملكة في اليمن يتحالفون مع قطر الدولة الصغيرة المزعجة للدولة السعودية الكبيرة .. تبداً الاحتجاجات في المنطقة الشرقية السعودية وتربط بالتدخلات الإيرانية للشيعة كما حدث في اليمن بمحافظة صعدة أولاً مثلما فعلت في القاهرة وتونس وطرابلس وبدأت تظهر في جدة السعودية بالتأكيد وقفت عند هذه المؤشرات لمراجعة الماضي وقراءة المستقبل .. وقد تكون وجدت في الثورات المشتعلة على حدودها من جميع الجهات مصدر خطر يهدد نظامها بالسقوط .. من هناك كان لابد من التدخل العاجل منعاً للأخطار المحدقة وفقاً لرؤية خاصة بها والتزاما على ما يبدو مع الإجماع الخليجي باستثناء قطر على ضرورة مواجهة الإخوان المسلمين بأي شكل من الأشكال .. ولأن الإمارات أكتشف أن المصريين المقيمين فيها يشكلون خطراً عليها بسبب ولائهم وانتمائهم لجماعة الإخوان جاء الخوف السعودي ربما من المغتربين اليمنيين على هذه الأساس .. فيما يفسر آخرون ما يحدث بربطة بمحاولة سعودية للضغط على القيادة اليمنية لإبقاء رجلها الأول في اليمن "علي محسن" بمنصبة وموقعه داخل الجيش ونفوذه في السلطة ..وهو احتمال ضعيف لأن علي محسن ومعه مشائخ آل الأحمر وابرز رجالات وقيادات الإصلاح وقيادات الإخوان المسلمين في اليمن انتقلوا الى المعسكر القطري تلبيةً لتوجه وتوجيهات الجماعة تحت مبرر التربيط بين أمير الدوحة لمنع تحالفه مع أطراف يمنية أخرى موالية لإيران.

زر الذهاب إلى الأعلى